مشاريع صغيرة
في حياةِ كلٍ منا مشروع صغير نحاول أن نجعل منه نبراسًا للحياة وملاذًا لطموحاتنا المعلقة، نريد السفر إلى أقاصي العالم وليس بحوزتنا جواز، نطمح أن نصنع رجل ثلج في صحراء لا يبارحها القيظ. ثم في إطار تحقيق هذه المشاريع الصغيرة تندلع براكين من المفاجآت، يحدث شيء غير متوقع ليغير الهدف من الحيّز الضيّق إلى معنى أوسع. فربما نصل إلى قانون عدم تشكل الثلج هنا، كما وصل نيوتن لقانون الجاذبية لأنه كان يبحث عن ظل واستلقى تحت شجرة.
كان دافنشي (1452-1519م) لديه مشروع وحيد وهو الرحيل عن مدينتهِ البائسة، الذي كان يرمى بها بالعار، وتطارده الشتائم من يمنى الدرب ويساره، وحث المسير لتحقيق مشروعه المتمثل في أن يصبح الرسام الأكثر إبداعًا، فيُصف: “كان دافنشي يخرج للعمل منذ بزوغ الفجر إلى غروب الشمس دون أن يتناول شيئًا من الطعام” وهكذا كان دأبه في المسير، إلى أن أرسل لحاكم ميلانو أن يوافق عليه، فوافق، وحقق مشروعه في السفر والاطمئنان.
ففي ثنايا هذا العالم قد تكون مشاريعنا الصغيرة مقصورة على تحقيق أهدافنا، ولكنها تتوسع لتشمل المحيط الأكبر، فدافنشي كان يعتقد أنه بتميزه سيبتعد عن البغيضين في منطقته وحسب، ولكن لأنه سعى بصدق لتحقيق هدفه الصغير، تمكن أيضًا من تحقيق مكاسب غير مقصودة فأصبح أهم رسام قد حطت أقدامه على أديم الأرض.
وقريبًا من ذلك كان ساندرز (1890-1980م) صاحب سلسلة مطاعم كنتاكي يعمل على طريقة لجعل زبائنه لا ينسحبون من المطعم حين يتأخر عليهم الطلب، ونجح بتقليل الوقت بعد تجارب مضنية، وتمكن من الحفاظ على أعصاب روّاد المطعم من الضجر، وكبح جماح أعصابهم المنفلتة، وكما حدث لدافنشي لم يقتصر الأمر على زبائن المطعم، بل تعدى إلى خلق مفهوم “fast food” الذي جاب العالم كله بعد ذلك!
فلنختبئ في دفء هذه المشاريع، ونجعل خطواتنا الدؤوبة تحاول تحقيق ما هو أمامنا فقط، فلربما اتجهت أقدامنا نحو بحبوحة الدرب الذي يوصلنا في نهاية الأمر إلى مجد غير مقصود، لأننا لم نتوقف فقط.
فالمشاريع الصغيرة: بوابة متواضعة، لقصورٍ هائلة!
دلال
اترك تعليقاً