عكاز
صباح الخير ياعزيزتي هل لك أن تساعديني على الوقوف هذا اليوم من جديد؟ أعلم لقد أثقلت علينا السنون كثيرا، وجفانا كثير من الأصدقاء، وودعنا تحت التراب الكثير، اتهمنا بأشياء لم نعلم بها حتى، لكنَّا نشفى دائما معا ونتشافى ببعضنا، ما دامت يداكِ في يداي فكل الدنيا تضحك لي ولو أني في الجحيم، لقد كنت في سنوات الطيش أكثر من يتفهم وبدل العكاز كنت لي عصا حازمة تؤدبني كل مرة أثور فيها، وفي سنوات النضج كنت خير صديقة أتسامر معها وتنسيني عنائي، وأيام المشيب هذه، حنان الكون كله أجده بك لا بغيرك، قطعة مني وقدم لا أستطيع التقدم دونها، أتذكر أيام جهادنا في هذه الحياة يوم نزحنا من حيفا وكنا نظن أن الشقاء قد كتب علينا سنة ١٩٤٨ مدينتنا الأولى ومهد علاقتنا يوم أن تناثر الجميع وطُوِّق المكان، أتذكر نظراتك تلك، القوية المتجهمة، كنت مختلفة عن جميع النسوة، لم تصرخي ولم تبكي، غلى دمك وثار وخرج من خلال نظرة قد ألجمت ذلك الصهيوني الذي دفعك، علمت حينها أن أقوى نساء هذه الأرض أنت، تمسكت بك كالعكاز ولم أخجل، تحدثت كثيرا بيني وبين نفسي، وتساءلت: ما سرها ؟ كيف يسري هذا الهدوء بها! كيف تحافظ على اتزانها في كل مرة!، عدت إلى أيام الطفولة وسألت أمك: كيف كانت؟ فقالت: لم تبك يوما، ولدت مبتسمة وعاشت طفولة متجهمة، ولم أحل السبب، وكأن معملًا مصغرًا بالغ التعقيد في عقلك، لم أستطع فك شفراتك إطلاقا، أنت صندوق عجائب ملهم ومصدر الحظ، وصديقة السنوات وركن ثابت تتبعثر بعده حياتي، دائما يقال: إن الرجل سند وظهر وأتمنى أني كنت لك كما تتمني، ولكن وكلمة حق لا بد لي من قولها ..
لقد كنت ضلعا لي مكملا مساندا وكأن الله أودع بقلبك سعادة عمري ..
غدير عبد الله، السعودية
رائعه