علمني الحجر – للكاتبة جهينة البوسعيدية

عنوان الدرس: فايروس كورونا

هكذا سيكون الواقع الذي نعايشه الآن، درساً من دروسِ التاريخِ التي ستُنقل للأجيالِ القادمةِ، وسيستمعُ لها الطلابُ بلا مبالاةٍ مثلما فعلنا، وسيتذمرونَ ” لماذا ندرسُ هذا؟ لن نستفيدَ منهُ في حياتنا”. اليومَ أيقنتُ أن التاريخَ شهدَ ويشهدُ وسيشهدُ، والزمانُ يدورُ والخاسرُ من ينتظر ماذا يفعلُ الآخرون ليفعلَ مِثلهُم! ندرك اليوم أننا نحنُ الدرس فلا نستطيعُ تجاهله أو نكتفي بالرسمِ على الدفتر إلى أن تنقضي الحصة.

قد لا يكون الحجرُ ذا معنى خاصةً للأشخاصِ الذين يحبون البقاء بالمنزل، لأنهم اعتادوا على أن العزلة وطن واكتفاء، لكن ماذا إذا كانت هذه العزلة قسرية وتم فرضها عليهم؟ حقاً علمني الحجرُ أشياء تكمنُ في نفسي وكنتُ أجهلها بسبب انهماكي في مجرياتِ الحياةِ ومتطلباتها.

رغبتُ أن تكونَ هناك إجازةٌ تنتشلني من زحامِ الأعمال، تمنيتُ أن يتوقفَ الزمنُ للحظة وألا يكون لدي أي ارتباطات أو مسؤوليات تقيّد يومي وتحبسني في دوامةِ الحياةِ. أعرفُ اليومَ أني كنتُ أنانيةً وكنتُ أجهلُ الكثير ولا زلت. أعلنتها ولأولِ مرة تتحقق على كثر ما تمنيت سلفاً مثل هذه الأمنية، كانت فرحتي عارمة، لكن مع بدء مشكلات التعليم والاقتصاد وتأثُّر حياة الناس، تأملتُ ما يحدثُ من موتٍ بالمرضِ وموتٍ بالجوعِ وطردٍ من الأعمالِ.. كيف لهذا المشهد الذي تكرر في العديد من الأفلام التي شاهدتها أن يحدث أمام عينيّ؟ حقًاً عاتبتُ نفسي كثيراً على أنانيتي وأكثر من ذلك على جهلي، فالتوقف الذي تمنيتهُ كانَ لضغوطٍ طفيفةٍ مقارنةً بما حدث.

تمنيتُ في هذه المدةِ أن يكونَ لي دور وأن أنزل لساحةِ المعركةِ وأساعدُ، لكن اكتشفتُ عجزي وفقر مهاراتي، واحتياجي لصقلها علّها تكونُ مجديةً يومًا ما. وعرفتُ أن سياسة التعليم الصحيحة تشهد اليوم قِطافَ ثمارها، فإن صَحَ الزرع صَلُحَ الثمر وانتُفِعَ به.

الحجرُ أخذني للزمنِ الماضي الذي لم أتخيل يوما أني سأعيشَهُ، وكأنه ألقى بالأرضِ في ثقبٍ أسودٍ مسافِراً بها إلى زمنِ الكوليرا والأوبئة، ها نحنُ عُدنا للتاريخِ كي نتعلم منه، ففي التاريخِ دروس وعِبَر لمن يَعتبر، فهلِ اعتبرنا؟

جهينة خميس البوسعيدية

@JuhaianBusaidi

  1. خواطر حقيقية صادقة ومؤثرة

  2. يقول Amal:

    ممتاز جداً ??

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.