العُزلة
ما أجمل هذا اللون الأبيض الأخّاذ على هذه الأوراق البهيّة! سَيلان الحَمَاسة في فمي يُحرِّض قلمي على تلطيخِ ذلك النقاء، هذه الجريمة وقعت في جوفِ العزلة.. قد ضَعُف لساني، وسَكَن قلبي، وهدأ عقلي، أتأمّل الكون، النجوم وكل شيء.. كذاك الشهاب المُنطلِق من السماء إلى أقصى نقطةٍ لا أعلَمها، وكهذه الذبابة التي تطوف حولي الآن. هُنا يغفو العالم وتملأ الطمأنينة المكان، أغنّي للعصافير وأُحدِّثها عن أدقِّ التفاصيل؛ فهي لا تَستصْغِر أحدًا، فلا تؤثِّر برأيِ الكبير دون الصغير، ولا تُمجِّد الغنيّ دون الفقير، ولا تحتقِر المطلَّقة دون المتزوجة. هُنا لا أحد يُنكر مَظهري وما يعتريني من ثياب، ومن أي قماش صُنع هذا الحذاء. هُنا لا عُنصرية، فلا تفضيلَ في نوع الدم، ولا إكراه في اختيار الدين، ولا تفريق في لون البشرة. مات الجاهِل عنها وعاش العالِم فيها؛ العزلة محطة الإبداع ودرب النور. كالمشي في شواطئ ميامي أو كهدوءِ جزر المالديف تأسُرني العزلة. كالروايات تأخذني إلى الإنسان القديم والحضارات العريقة، فأنا أعتزل تلك اللحظة إلى متنزه الكتب، عندما تكون برفقة الكتب فأنت في نزهة، لا يُمكن وصف تلك اللحظة. فإنْ لم تعُد ترى غير الضباب، وزلّتْ قدمك وتاهَت نفسك.. فالعزلة بوصلةُ الذّات. هُنا فترة نقاهتي بعيدًا عن التّرهات والتّفاهات، ولولا أني لستُ إلا خليطَ مشاعر يستأنِس بالإنسان مثله، لمضيتُ في عُزلتي حتى يجفَّ دمي.
عدنان الزبالي
@alzbali66
اترك تعليقاً